شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب أمور الإيمان
قال رحمه الله تعالى:
باب أمور الإيمان وقول الله تعالى: رسم> لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ قرآن> رسم> رسم> قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ قرآن> رسم> الآية.
حدثنا عبد الله بن محمد اسم> حدثنا أبو عامر العَقَدي اسم> قال: حدثنا سليمان بن بلال اسم> عن عبد الله بن دينار اسم> عن أبي صالح اسم> عن أبي هريرة اسم> عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان متن_ح> رسم> .
هذا باب أمور الإيمان؛ يعني: شعبه وخصاله التي مجموعها كمال الإيمان؛ للإيمان أركان عقدية ومكملات عملية، فأركان الإيمان هي الستة في قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره متن_ح> رسم> هذه أركان الإيمان؛ يعني الأركان الاعتقادية، وتجدون أن الذين كتبوا في العقيدة شرحوا هذه الستة، وذكروا ما يدخل فيها؛ فهو دليل على أنهم جعلوا العقيدة هي الأصل، وجعلوا الأعمال متفرعة عن هذه الأصول الستة أو عن هذه الأركان الستة؛ قد استدل عليها من القرآن بآيات، كهذه الآية في سورة البقرة: رسم> لَيْسَ الْبِرَّ قرآن> رسم> قرأها بعض القراء: ( ليس البرُّ )، رسم> لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قرآن> رسم> ؛ البر هو: عمل الأبرار الذين ذكر الله تعالى أن لهم الجنة: رسم> إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ قرآن> رسم> ؛ فمن عمل بهذه الأعمال صدق عليه أنه بَرّ، ومن تركها فهو من الفجار، رسم> وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ قرآن> رسم> .
ذكر الله تعالى خمسة أركان في هذه الآية رسم> وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ قرآن> رسم> هذه خمسة؛ يعني: من آمن بالله؛ يعني إلها وربا وخالقا، ووصفه بصفات الكمال، وآمن باليوم الآخر؛ يعني صدق بالبعث بعد الموت، وبما فيه من الحساب والجزاء على الأعمال، وآمن بالملائكة؛ يعني صدَّق بأنهم رسم> عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ قرآن> رسم> وصدَّق بالكتب المنزلة، ومنها هذا القرآن الكريم؛ صدق بأنه كلام الله، وصدق بأن الكتب على الأنبياء كلامه، وأنها متضمنة لشرعه، وصدق بالنبيين؛ يعني بالمرسلين جميع المرسلين الذين أرسلوا؛ أرسلهم الله، وقص علينا شيئا من قصصهم؛ أي يعني أيقن بصحة رسالتهم، وبأنهم حملوا الشريعة، وجاءوا بها إلى أممهم.
ذكر بعد ذلك خصالا تعتبر من الإيمان منها النفقة؛ مع أنها من أركان الإسلام كالزكاة، ولكنه ذكر أن النفقة هاهنا فيما يظهر صدقة تطوع وبر، ولهذا قال: رسم> وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ قرآن> رسم> يعني: أخرج المال حال كونه يحبه، لأن من طبع الإنسان أنه يحب ماله، قال تعالى: رسم> وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا قرآن> رسم> أي: حالة كونه يحبه، ولكن آثر رضا الله تعالى فأعطاه على حبه، كما قال تعالى: رسم> وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا قرآن> رسم> وهاهنا ذكر ستة أو نحوهم رسم> وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى قرآن> رسم> بدأ بالأقارب يعني: أعطاه ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، والسائلين، وفي الرقاب؛ يعني: أعطى هؤلاء من المال مع كونه يحب المال طبعا، وهؤلاء من المستحقين؛ اليتامى والمساكين، وكذلك أيضا ذوي القربى المستحقين، وكذلك السائلين؛ الذين يسألون الناس من المال، وكذلك الرقاب؛ يعني: أعتق منه رقابا كانت مملوكة، وذكر بعد ذلك الموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، وذكر قبل ذلك إقامَ الصلاة، وإيتاءَ الزكاة، فكل ذلك داخل في مسمى الإيمان؛ لأنه من البر، والبر هو الإيمان، ولأنه من التقوى؛ والتقوى من خصال الإيمان. ختم الله تعالى الآية بالتقوى في قوله: رسم> وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ قرآن> رسم> .
وأما هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> الإيمان بضع وستون شعبة متن_ح> رسم> وفي رواية عند مسلم اسم> رسم> بضع وسبعون متن_ح> رسم> يعني خصال الإيمان التي إذا تكاملت كمل الإيمان؛ فالإيمان يتكون من هذه الخصال. بضع؛ يعني قيل: سبع، وقيل تسع، وقيل خمس، خمس وسبعون أو سبع وسبعون أو تسع وسبعون شعبة؛ يعني خصلة من خصال الإيمان، وقد كتب كثير من العلماء في خصال الإيمان ..وأثناءه تسمى شعبه، ومن أوفى من كتب في ذلك الإمام البيهقي اسم> رحمه الله في كتابه الذي سماه شعب الإيمان؛ فإنه تتبع كل ما جاء من الخصال الدينية؛ أفعالا وتروكا، وكتبها في هذا الكتاب الذي بلغ سبعة مجلدات؛ يعني لما طبع محققا؛ كلها في خصال الإيمان؛ مع أن الأولين قد ذكروا أيضا كثيرا منها، فيقال مثلا: الصلاة شعبة من الإيمان، والزكاة شعبة من الإيمان، والقراءة من الإيمان، والذكر من الإيمان، والدعاء من الإيمان، والنصيحة من الإيمان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، ورد السلام، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، وأشباه ذلك.
ذكر في هذا الحديث قال: رسم> أعلاها قول لا إله إلا الله متن_ح> رسم> مع أنها كلام؛ كلمة لا إله إلا الله محمد اسم> رسول الله هذا من القول؛ ولكنه دليل على أن القول داخل في مسمى الإيمان، رسم> أعلاها قول لا إله إلا الله متن_ح> رسم> ؛ هذا قول، رسم> وأدناها إماطة الأذى عن الطريق متن_ح> رسم> هذا فعل؛ يعني: إذا وجدت شوكة أو وجدت عودا مثلا في الطريق أو حجرا فأمطته عن الطريق حتى لا يتأذى به الذي يمر وهو غافل؛ فإن هذا نفع للمسلمين؛ فلك أجر ويزيد بذلك إيمانك؛ إماطة يعني: إزالة الأذى عن الطريق كحجر أو عود أو نحو ذلك.
رسم> والحياء شعبة من الإيمان متن_ح> رسم> الحياء: خلق قلبي يحمل على فعل ما يُجَمِّل ويزين، وعلى ترك ما يدنس ويشين. من الأخلاق التي يمدحها الإسلام ويثني على أهلها، ويذم من فقدها؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> إن مما أدرك الناس من النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت متن_ح> رسم> ؛ فجعل الحياء مع أنه قلبي من الإيمان، وجعل الشهادة مع أنها لفظي من الإيمان، وإماطة الأذى مع أنه فعلي يعني: عمل أركان جعله من الإيمان.
وهناك رسالة مطبوعة مختصرة اسمها شعب الإيمان، ذكر مؤلفها نحو سبعة وسبعين خصلة؛ منها أفعال: كالصلاة والزكاة، ومنها تروك: مثل ترك الزنا، وترك الربا مثلا، وترك الغش، وترك الخمر مع وجود الدوافع والدواعي، وجعل ذلك كله من خصال الإيمان.
حقا أن الحديث ذكر أنها بضع وستون، وفي رواية مسلم اسم> بضع وسبعون؛ فقال بعض العلماء: إنما هذا للتكثير وليست منحصرة في هذا العدد؛ قد يوجد زيادات وقد يوجد إضافات، ولكن يظهر أنها للتقريب؛ أن ذكر ثلاثا وسبعين أو خمسا وسبعين؛ يعني بضعا وسبعين ذِكرُه لأجل الإشارة إلى كثرة الخصال؛ أنها خصال كثيرة، سواء انحصرت في ثنتين أو ثلاث وسبعين، أو زادت على ذلك أو نقصت. الحاصل أن خصال الإيمان كثيرة، وأنها دليل على أنها ليست مجرد التصديق بالقلب.
مسألة>